المقامة ُالكناريّة ُ
في يوم ٍمن أيام ِأيلولْ , وقبل أن يُؤْذنَ للخريف ِ ِبالحلولْ ,
أهدانا الأخُ الفاضلُ كمّولْ ,كناراً أصفرَ جسمُهُ مفتولْ , تخالهُ
حينَ تنظرُ إليهِ
كأنّهُ بهلولْ ,تربّى على أكل ِالفواكه والقنبز ِ
المعسولْ ,ومن أجل ِالريجيمْ ترفعَ عن أكل الفلافل والحمّص ِوالفولْ
صوتهُ كأنّهُ ترانيمُ الوترْ ,يُطربُكَ إذا غرّدَ في السّحَرْ
,ويزيدُ من ألحانه ِبظهور ِالقمرْ ,
حتّى لتخالهُ عاشقٌ وقد طالَ به ِ السّهرْ , ينتقلُ
من عود ٍإلى عود ٍفي قفصِه ِكأنّهُ السّيلُ انهمرْ
فرحنا بهِ حصّة ًمنَ الزّمانْ ,وصِنَّاهُ من الذلّ ِ
و الهوانْ ,فنهاراً كانَ يفترشُ خمائلَ البستانْ ,
وفي اللّيل ِينامُ قربَ النّافذة ِنومَ الكروانْ ,يتربّعُ
على ساق ٍواحدة ِنافشا ًريشَهُ كأنّهُ كسرى أنوشروانْ
واعتلَّ على حين ِغرّة ٍفماتْ ,فحزنتُ عليه ِ
وكادتْ روحي تُزهقُ من غير ِسباتْ ,وأمسيتُ
وأصبحتُ على هذه ِالحال لا تروقني لذّات ٌولا
مسرّاتْ
في الأمس ِومن شدّة ِ الحزن ِرأيتُهُ في المنامْ ,
كسيرَ الخاطر ِبلا وئامْ ,فسألتُهُ عن حاله ِوماذا
فعلتْ به ِالأيّامْ , وقلتُ لهُ وعقلي يكادُ يذهبُ
من شدّة ِالهُيامْ :
يا كناري الحبيبْ ,يا صاحب َ العقل ِاللّبيبْ ,
أقصّرتُ يوما ًمنَ الأيّام ِفي خدمة ِالشّادي العجيبْ ؟
ألمْ أقدّمُ لك ما لذّوطابْ ,من فواكه وأعنابْ ,
أما كنتُ أبرّدُ لكَ الشّرابْ ,وأتباهى بك َأمامَ
الأحباب ِوالأغرابْ , فلمَ تركتني على حين ِ
غرّة ٍبلا مبرر ٍولا أسباب ْ
أجابني بلوعة ٍو حنينْ ,أه لو تدري
كمْ أنا حزينْ 0
أتذكُرُ تلكَ الكنارة ِالشّهباءْ , ذات العيون ِالحوراءْ ,
والمنقار ِالملوّن ِوالخدود ِالّتي
تزينتْ بالحنّاءْ 0
قلتُ : بلىولكنّها كنارة ٌ لعوبْ رحلتْ دونَ
أنْ تُقمْ لكَ وزنا ً, وتلاعبتْ بعواطفكَ وتركتْ
وراءها أسا ًوحزنا ً0
فأجابَ :نعمْ و لكنّي لها عاشقٌ ولهانْ ,وعقلي
منذُ فراقها حيرانْ 0
قلتُ :وهل قلتَ فيها شعرا ً
قالَ: بلى شعرا ًونثرا , ًفاسمع :
أصابَ القلبَ فانفطرا
كنارٌ أحورٌ خطرا
سباني عندما نظرا
شغافَ القلب ِقد أسرا
إذا ما رمتُهُ نفرا
ويُخفي جنحهُ الخفرا
فموتي بعدهُ أجدى
من الإذلال ِأنْ كَبُرا
فليتَ عيونَهُ بيتي
وليتَ فسولَهُ قبرا
قلت ُأجدتَ ولكن ( ليتَ ) تنصُبُ
الاسمَ وترفعُ
الخبرَ فأجابَ : ما أظلمكمْ أيّها البشر تقيّدونَ
أنفسَكمْ , وتقيّدونَ غيرَكمْ , تدّعونَ الحريّةَ
وتستعبدونَ حتّى أنفسكمْ , وحروفكم ْ
قلتُ :ولكنْ ما هوَ الفسولْ
قالَ هذا من كلام ِ الطّيور وما أظنّك تفهمهُ
الدكتور محمود إسماعيل خليل
سوريا- حمص- ص ب 5455
[email protected] |